وقد سعت هذه الندوة، التي نظمتها محكمة الاستئناف بخريبكة والمحاكم الابتدائية التابعة لدائرة نفوذها بشراكة مع مديرية الشؤون القروية بوزارة الداخلية وإقليم خريبكة، إلى التعريف بمضامين القوانين الجديدة الخاصة بالأراضي السلالية، والتوصل إلى تصورات تنظيمية وإجرائية ومقترحات قانونية، لتذليل الصعوبات والإكراهات التي قد تعترض الانتفاع الجيد بهذه الأراضي، بما يضمن النهوض بالتنمية المحلية بمختلف تجلياتها الاقتصادية والاجتماعية والترابية.
وفي كلمة خلال الجلسة الافتتاحية لهذه الندوة، التي حضرها على الخصوص عامل إقليم خريبكة السيد عبد الحميد اشنوري وعامل إقليم الفقيه بن صالح السيد محمد قرناشي وعدد من المسؤولين القضائيين والمنتخبين والفاعلين الاقتصاديين وممثلي المجتمع المدني، أوضح العامل مدير الشؤون القروية بوزارة الداخلية السيد عبد المجيد الحنكاري أن هذا اللقاء العلمي يندرج في إطار سلسلة من الندوات تعتزم وزارة الداخلية تنظيمها بشراكة مع الفاعلين المهتمين بقطاع أراضي الجماعات السلالية، بهدف تنوير الرأي العام وعموم المواطنين بأهداف القوانين الجديدة ذات الصلة بهذا القطاع، ودورها في تعبئة هذه الأراضي السلالية من أجل إرساء تنمية محلية مستدامة، وإدماج ذوي الحقوق في هذا المسار، وتمكين المستثمر القروي المتوسط من العمل والاستثمار في هذه الأراضي.
وبعد أن أشار إلى أن الثروة العقارية لأراضي الجماعات السلالية تعد مظهرا من مظاهر الأصالة المغرية ولحمة لتوطيد روابط التضامن والتآزر بين أعضاء الجماعات السلالية واحتياطيا مستقبليا لتنزيل كافة المخططات الاستراتيجية للدولة ولذوي الحقوق، شدد على ضرورة أن تضمن المقتضيات القانونية والتنظيمية الجديدة تحقيق هذه الأهداف، والحفاظ على هذا الموروث الجماعي العريق، ومن خلاله على الهوية السلالية، و تحقيق التنمية المجالية.
وذكر عامل إقليم خريبكة السيد اشنوري بأن انعقاد هذه الندوة، التي تعتبر الأولى على المستوى الوطني، جاءت بعد دخول النصوص القانونية المنظمة لأملاك الجماعات السلالية حيز التطبيق (القوانين 62.16 و63.17 و64.17)، وخاصة بعد صدور المرسوم المتعلق بتطبيق القانون رقم 62.17.
وأبرز أن هذه القوانين تعتبر “طفرة نوعية وتحولا جذريا في تسيير شؤون الجماعات السلالية وأملاكها، بالنظر إلى أنها أنهت مع حقب طويلة من التسيير التقليدي لهذه العقارات والتي كانت تحول دون الاستغلال الأمثل لمؤهلاتها، وكذا تمكين أفراد الجماعات السلالية من الاستفادة من هذه الأراضي، واندماجهم في التسيج الاقتصادي وتسهيل تعبئتها لفائدة الاستثمار الخاص”، داعيا جميع المتدخلين إلى “تعبئة شاملة وانخراط جماعي وجرأة كبيرة” من أجل تنزيل هذه القوانين، وتنفيذها بشكل أمثل وتحقيق الغايات والتحولات التي تصبو إليها.
وأضاف أن “طومحنا يبقى أكبر لتحقيق الأهداف التي سطرها صاحب الجلالة الملك محمد السادس من أجل خلق طبقة فلاحية وسطى بالعالم القروي”، مذكرا في هذا الصدد بالخطاب السامي لجلالته بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة لسنة 2018.
من جهته قال الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بخريبكة إن تغيير السياسة العمومية للدولة تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية الدالة على الرغبة في انتقال أملاك الجماعات السلالية من مرحلة المنفعة الذاتية إلى مرحلة الخدمة التنموية المجالية جعل موضوع الأراضي السلالية يكتسي راهنية، لا سيما في ظل المستجدات التشريعية التي أصبحت تحكمه سواء من خلال النصوص القانونية أو التنظيمية.
وفي سياق متصل توقف الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بخريبكة عند دور النيابة العامة في ضمان “الأمن السلالي”، باعتبار هذا القطاع يشكل “احتياطا عقاريا لتنزيل المخططات الاستراتيجية للدولة ولذوي الحقوق”، مذكرا في هذا الصدد بالمذكرة التوجيهية لرئيس النيابة العامة “التي تؤكد على أهمية المستجدات الزجرية في تعزيز أوجه حماية أراضي الجماعات السلالية”.
ونوه محمد العلمي المشيشي، الأستاذ الفخري بجامعة محمد الخامس بالرباط ووزير العدل السابق الذي أشرف على تسيير إحدى جلسات الندوة، بأهمية القوانين الجديدة في وضع الآليات التنظيمية والتدبيرية والمداخل القانونية لتدبير قطاع الأراضي السلالية، والحلول التي تقترحها لتجاوز الإكراهات التي يعرفها، مؤكدا أن النهوض بهذه الأراضي الشاسعة من منظور تنمية متكاملة ومندمجة، سيكون له انعكاسات تنموية هائلة على مجموع البلاد….
وتمحورت هذه الندوة العلمية حول محورين يهمان “الوصاية الإدارية في تدبير أملاك الجماعات السلالية وسؤال التنمية المجالية” و”المنازعات القانونية والقضائية لأملاك الجماعات السلالية”.
وهم المحور الأول مداخلات ركزت حول “الوصاية الإدارية على أملاك الجماعات السلالية في ضوء المستجدات التشريعية” و”تدبير الأراضي السلالية في ضوء متطلبات تفعيل السياسات العمومية وتحقيق التنمية المحلية” و”الإشكاليات المرتبطة بتحديد صفة ذوي الحقوق وفق المستجدات التشريعية والتنظيمية”، فيما هم المحور الثاني مداخلات قاربت مواضيع “تأثير الاجتهاد القضائي لمحكمة النقض على القوانين الجديدة لأملاك الجماعات السلالية” و”القواعد الناظمة لمنازعات أملاك الجماعات السلالية وفق المستجدات التشريعية” و”دور النيابة العامة في حماية أملاك الجماعات السلالية” و”الحماية الجنائية لأملاك الجماعات السلالية في ضوء المستجدات التشريعية” و”التصفية القانونية لأملاك الجماعات السلالية على ضوء المستجدات القانونية المنظمة لها”.
تجدر الإشارة إلى أن المساحة الإجمالية للأراضي السلالية على المستوى الوطني تقدر ب15 مليون هكتار، تمثل الأراضي الرعوية الجزء الوافر منها نسبة 85 في المائة فيما يتم توظيف الجزء الباقي في الأنشطة الفلاحية والغابوية والسكنية بنسب متفاوتة.
ويخضع تدبير هذه الأراضي لإشراف جمعية المندوبين أو النواب طبقا للأعراف والعادات، ولرقابة مجلس الوصاية والسلطات الإقليمية المختصة.
وتستغل 98 في المائة من الأراضي الجماعية من قبل ذوي الحقوق وأفراد الجماعات، ويقتصر تدخل إدارة الوصاية على تسيير جزء من الممتلكات السلالية لا يزيد عن نسبة 2 في المائة.