“مجالس.نت “
في زمنٍ تتسارع فيه وتيرة الكوارث البيئية، وتزداد فيه حرائق الغابات حدة وانتشارًا، داخل منطقة البحر الأبيض المتوسط وخارجها، يبرز المغرب كقوة هادئة وفعالة في مواجهة هذا التهديد المتصاعد. لم يعد دور المغرب يقتصر على حماية غاباته فحسب، بل أصبح أيضًا ملاذًا تطلبه دول الجوار حين تشتد ألسنة اللهب. لقد أصبحت الخبرة المغربية في مكافحة حرائق الغابات نموذجًا يُحتذى به، وتجربةً مرجعية في المنطقة، في وقت يتسابق فيه العالم للبحث عن حلول فعالة ومستدامة
وراء هذا النجاح المتراكم، تقف الوكالة الوطنية للمياه والغابات، التي شكلت منذ إحداثها فاعلا محوريا في التصدي لحرائق الغابات، وذراعًا تنفيذية لاستراتيجية طموحة تجسّد رؤية المملكة في حماية المجال الغابوي. هذه الرؤية لم تكن عشوائية، بل انبثقت من استراتيجية “غابات المغرب 2020–2030″، التي قدمت أمام جلالة الملك محمد السادس بمدينة اشتوكة آيت باها، والتي قامت على أسس التحديث، والإشراك المجتمعي، وتحقيق التوازن بين التنمية البيئية والاستغلال المستدام.
ومنذ ذلك الحين، شرعت الوكالة في إرساء منظومة متكاملة لمحاربة الحرائق، ترتكز على الوقاية، التتبع، والتدخل السريع. تم تعزيز القدرات البشرية، وتحديث المعدات، واقتناء طائرات الكنادير المتطورة، وتوسيع شبكة الرصد عبر الطائرات المسيّرة والأقمار الاصطناعية. النتيجة كانت واضحة: انخفاض ملحوظ في عدد ومساحة الحرائق خلال السنوات الأخيرة، واستجابة أكثر فاعلية للأزمات رغم تعقد الظرفية المناخية.
غير أن ما يدعو للفخر حقا، هو أن هذه التجربة المغربية لم تبق حبيسة الحدود. فقد أصبحت طواقم الإطفاء المغربية تُستدعى للمشاركة في إخماد حرائق غابات بدول أوروبية مجاورة، مستفيدة من جاهزيتها، وتكتيكاتها، وخبرتها المتراكمة ميدانيًا. وهكذا، تحول المغرب من بلد يكافح لحماية غاباته، إلى شريك إقليمي يُعتمد عليه في لحظات الطوارئ.
هذه الريادة لم تأت من فراغ، بل هي نتيجة سنوات من العمل الميداني، والاستثمار في العنصر البشري، وتبني التكنولوجيا الحديثة، فضلًا عن التنسيق المحكم بين مختلف المتدخلين. وتدل المؤشرات بوضوح على أن المغرب يسير بثبات نحو ترسيخ موقعه كفاعل إقليمي في مجال الأمن البيئي، في زمن لم تعد فيه الحدود تحمي من تبعات التغير المناخي.
وحتى في السنوات الأخيرة التي شهدت فيها بعض المناطق حرائق متفرقة، فإن سرعة التدخل ونجاعة التنسيق بين مختلف الأطراف جعلت من هذه الحوادث دروسًا ميدانية تعزز مناعة الجهاز البيئي، وترفع من جاهزيته، وتعزز صورة المغرب لدى شركائه.
إن مكافحة حرائق الغابات لم تعد مجرد عملية تقنية، بل صارت جزءًا من السيادة البيئية للدول، ورافعةً حقيقية لحماية الإنسان والمجال. والمغرب، بفضل استراتيجيته الملكية، وخبرة وكالته الوطنية للمياه والغابات، يؤكد اليوم أن بإمكان دول الجنوب أن تكون شريكة في الحل، لا ضحية
فقط.
خالد ابا عمر