بقلم أحمد بلغازي
أصبحت بلادنا على أبواب انتخابات برلمانية وجماعية وجهوية متزامنة، في ظل قوانين انتخابية مؤطرة بميزات جديدة، نتوخى منها أن تؤدي إلى مرحلة بناء ديمقراطية يستحقها الشعب المغربي، ومترجمة للإرادة الملكية السامية، الهادفة إلى تعزيز موقع بلادنا في مصاف الدول المتقدمة والمتحضرة .
وحين نقول الدول المتقدمة أو المتحضرة، فإن هذا لا ينقص من قيمة ووضع بلادنا سواء بالنسبة للتقدم أو بالنسبة للتحضر لأنهما معا من مكتسبات قرون من الزمن، تشكلت فيها الدولة الأمة (المغربية) في هذا الجزء الاستراتيجي الهام على الخريطة العالمية، ولكني أقصد هنا الجانب المتعلق بتطوير تجربتنا الديمقراطية على مستوى الآلية الانتخابية في كل المراحل التي قطعناها من بعد الاستقلال وإلى اليوم.
فهذه التجارب بقدرما كانت إيجابية من حيث المبدأ، ومن حيث التمسك بنظام سياسي قائم على المؤسسات، وقائم على الاستشارة الشعبية، بقدرما أفرزت لنا سلبيات لم يعد لأي كان اليوم عذر في عدم مواجهتها أو المهادنة معها، بل إن – البداية ينبغي أن تكون انطلاقا من الانتخابات القادمة من أجل القطع معها نهائيا، وهذه السلبيات يمكن النظر إليها من زاويتين:
أولهما زاوية الإكراه: وأعني بذلك تدخل عوامل خارجة عن إرادة المتشبعين بقناعة أن الانتخابات ينبغي أن تكون وسيلة، (وهي فعلا الوسيلة الوحيدة الممكنة فعلا ) للوصول إلى ديمقراطية بناءة تكون رافعة للتنمية والتطور.
وإذن فإن ما يجب القطع معه مما أقصده هنا، هو إكراهات الوضع الذي خلفته مرحلة الحماية بكل جوانبه السلبية، وضمن هذه الإكراهات الفقر والأمية.
وللأسف فإن هذين العاملين على الخصوص لعبا دورا خطيرا في تصدر نسبة كبيرة من أصحاب “شكارة” للمشهد الانتخابي عبر كل الاستحقاقات التي مرت بها بلادنا خاصة منذ السبعينات وإلى يومنا هذا.
فقد شلت هذه العينة المستفيدة من إكراه الفقر والأمية عمل المؤسسات المنتخبة بكل مستوياتها، وعاث بعضها فسادا في المال العام ووظفها بعض آخر لمآربه الشخصية والعائلية.
وقد رأينا حجم الفساد وحجم التبذير الذي طال المال العام تحت إشراف هذا النوع من الذين وصلوا إلى تمثيلية الشعب: إما عن طريق شراء الأصوات، مستغلين في ذلك عامل الفقر، وإما بالإدعاء والكذب على الناخبين مستغلين عامل الجهل والأمية.
أما الزاوية الثانية التي ينبغي أن ينظر منها إلى السلبيات، أو بالأحرى تقييم السلبيات من خلالها، فتتعلق بدور الفاعل الحزبي.
فلا ينبغي لأحد أن ينكر اليوم بأن الأحزاب التي تصدرت المشهد الانتخابي عبر الاستحقاقات السابقة، ساهمت إلى حد كبير في تمييع العمل السياسي ودفع الناس إلى تبخيسه، وهذا من خلال مجاراة (أصحاب شكارة) واستبعاد الكفاءات والمثقفين، بحجة أن المرشحين من أصحاب المال هم من يضمنون لها المقاعد في المؤسسات المنتخبة سواء أكانت جماعية أم برلمانية أم جهوية أو مهنية.
وقد رأينا كيف أن أعلى سلطة في البلاد، حذرت من نتائج انسياق الأحزاب مع هذا الانهيار الأخلاقي، فنبه جلالة الملك نصره الله في عدة مناسبات وخطب رسمية إلى ضرورة تخليق العمل الحزبي.
وعموما، فإن حزب الشورى والاستقلال، كأحد أعرق الأحزاب المغربية، فضل الوفاء لمبادئه وأخلاقه والمصلحة العليا للوطن، وفضل أن يكون ضحية لهذا المشهد على أن يكون مستفيدا منه ومشاركا في المهزلة، لذلك، فإننا ندعو المواطنات والمواطنين إلى اغتنام التشريعات الانتخابية الجديدة فرصة للقطع مع هذا الانهيار الأخلاقي في السياسة ومع الكيانات التي استفادت منه، ومع الوجوه التي أصبحت طلعتها تذكر بالمعاناة وبالكذب الذي مورس على الناخب وبتبذير واختلاس المال العام.
فالكرة الآن في ملعب نساء وشباب وشيوخ المغرب لإحداث القطيعة مع هذه النوعية من الكيانات ومن الأشخاص، ولنقل بلسان واحد: لقد دقت ساعة الحسم.