في ظل الخلاف بين إسبانيا والمغرب، أعلنت الرباط تعليق عملية “مرحبا 2021” مع مدريد للعام الثاني على التوالي، الأمر الذي قد يؤثر اقتصاديا على الدولة الأوروبية.
وأثار استضافة مدريد لإبراهيم غالي، زعيم جبهة البوليساريو التي تسعى لاستقلال الصحراء الغربية، أزمة دبلوماسية بين إسبانيا والمغرب.
وكانت الحلقة الأحدث في الخلاف بين الدولتين، قرار مغربي بعدم فتح أي معبر بحري مع إسبانيا، بما في ذلك معابر المدينتين سبتة ومليلية، وذلك في سياق عملية “مرحبا 2021” لاستقبال المواطنين المغاربة القاطنين بالخارج.
وقالت متحدثة باسم الحكومة الإسبانية للصحفيين، الثلاثاء: “نحترم قرار المغرب فرض قيود على السفر بحرا من إسبانيا والقرار مبني على معايير صحية”.
ومنذ أكثر من 30 عاما، يطلق المغرب سنويا عمليات “مرحبا” لاستقبال مواطنيه القاطنين بالخارج خلال الإجازات الصيفية.
إلا أن أزمة فيروس كورونا العام الماضي، والموجة السيئة التي طالت إسبانيا حالت دون مرور المغاربة من موانئ (الجزيرة الخضراء، وألمرية، وفالنسيا) وبالتالي خسارة إسبانيا عائدات جمركية وتجارية لآلاف المغاربة الذين كانوا يمرون بها، بلغت ستة ملايين يورو (أكثر من سبعة ملايين دولار)، بحسب إحصائيات غير رسمية.
وبحسب موقع “سبانيش نيوز توداي“، فإن ميناء الجزيرة الخضراء قادر على استقبال 22 ألف مسافر يوميا، وفي بعض الأحيان تمتد الطوابير بطول 3 كيلومترات مع ما يقدر بـ 50 ألف شخص.
ورغم تحسن الوضع الوبائي في إسبانيا، واصل المغرب تعليق مرور مواطنيه وجاليات أفريقية أخرى بحرا مع إسبانيا أو ما يعرف بعملية “عبور المضيق”.
وفي وقت قالت فيه وزارة الخارجية إن عودة المواطنين المغاربة القاطنين بالخارج، بحرا، ستتم انطلاقا من نفس نقاط العبور البحري التي تم العمل بها العام الماضي، يقول المحلل السياسي، حفيظ الزهيري، لموقع “الحرة” إن القرار “ليس بمعزل عن التطورات الدبلوماسية الأخيرة بين المغرب وإسبانيا”.
والعام الماضي، انطلق المغاربة القاطنين بالخارج، بحرا، من مينائي سيت بفرنسا وجينوا في إيطاليا.
ويعتقد الزهيري أن الأزمة بين البلدين أعمق من القرار المغربي الأخير أو التدفق المفاجئ للمهاجرين على جيب سبتة الإسباني بشمال أفريقيا الشهر الماضي، بعدما خففت قوات الأمن القيود الحدودية فيما يبدو كان شكلا من أشكال الرد على استضاف إسبانيا لغالي.
وأضاف “الأزمة بين إسبانيا والمغرب عميقة، والعديد من الملفات الشائكة تقف عائقا في تطور العلاقات بين هذين البلدين الجارين”.
والأربعاء الماضي، عاد غالي إلى الجزائر، بعدما قضى أكثر من شهر في مستشفى إسباني. ولم تعلق الرباط حتى الآن على سفر غالي من إسبانيا لكنها قالت في السابق إن هذه الخطوة وحدها لن تحل الخلاف.
وتناضل جبهة البوليساريو، المدعومة من الجزائر، من أجل استقلال الصحراء الغربية التي ظلت مستعمرة إسبانية حتى منتصف السبعينات ويطالب المغرب بالسيادة عليها.
ويعلق الزهيري قائلا: “المغرب الآن دولة إقليمية قوية على مستوى ضبط العلاقات الدولية في المنطقة، ولم يعد تلك الدولة التي كان من الممكن تجاوزها في بعض القرارات والاستراتيجيات، خصوصا فيما يتعلق بمنطقة شمال أفريقيا والبحر المتوسط وكذلك العلاقات مع الاتحاد الأوروبي”.
والأسبوع الماضي، نظم الجيش الإسباني مناورات على بعد أمتار قليلة من الشواطئ المغربية قرب إقليم الحسيمة شمال المملكة، وذلك بعدما رفضت مدريد المشاركة في مناورات “الأسد الأفريقي 2021” التي تحتضنها الرباط.
ويرى الزهيري أن إسبانيا “منزعجة كثيرا الآن من قوة المغرب في المنطقة، وتحاول قدر الإمكان تحجيمها، لكن العكس اتضح انطلاقا من سياسات الرباط وردود فعلها”.
خسارة اقتصادية
وبحسب الموقع الخاص للحكومة المغربية، فإن عملية مرحبا 2019 استقبلت أكثر من 2,9 مليون مغربي مقيم بالخارج
ووفقا لإحصائيات “مرحبا 2019″، تقول صحيفة هسبريس: “زار المغرب حوالي 3 ملايين مواطن وحوالي 800 ألف مركبة عبرت من موانئ إسبانيا؛ فيما يقدر أفراد الجالية بحوالي 5 ملايين مغربي ومغربية، ينتشر أغلبهم في دول القارة الأوروبية”.
ويقول الزهيري: “عملية مرحبا ستتم بطريقة أخرى، وستشارك بها موانئ فرنسية وإيطالية”.
ويعتقد الزهيري أن القرار المغربي الأخير سيؤثر بالسلب على الاقتصاد الإسباني، وسيمتد تأثيره إلى بعض القرارات الاستراتيجية الإسبانية، وتعاملها مستقبلا مع المملكة المغربية.
وأثارت موافقة إسبانيا على دخول غالي مستشفى في مدينة لوغرونو بشمالها بأوراق جزائرية ودون إبلاغ الرباط غضب المغرب.
لكن الزهيري لا يعتقد أن غضب المغرب وما تقوم به إسبانيا في المقابل سيدوم طويلا، وقال: “بتتبعنا ردود الفعل داخل إسبانيا، نجد بعض الأحزاب والشخصيات السياسية التي تعرف قيمة العلاقات مع المغرب ودورها في المنطقة”.
وأضاف “يمكن أن يكون هناك حوار جاد ومعقول يراعى فيه قوة المغرب الجديدة ودوره في المنطقة. وبالنظر إلى علاقة البلدين التاريخية يمكن تجاوز هذه الإشكالات الثنائية بين البلدين”.