المملكة المغربية
البرلمان
مجلس النواب
كلمة السيد الحبيب المالكي
رئيس مجلس النواب
في اختتام الدورة الثانية
من السنة التشريعية 2018-2019
مجلس النواب ،26 يوليوز 2019
السيدات والسادة الوزراء
السيدات والسادة النواب
السيدات والسادة
نعقد هذه الجلسة الدستورية المخصصة لاختتام الدورة الثانية من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية العاشرة في سياق وطني هام.
ويصادف، هذا الاختتام، احتفالَ الشعب المغربي بالذكرى العشرين لاعتلاء جلالة الملك محمد السادس أعزه الله عرشَ أسلافه المنعمين ؛ وهي مناسبةٌ لنجدِّدَ لجلالة الملك الولاءَ والإخلاصَ وعزمَ وتعبئةَ مجلسِ النواب من أجل مواصلة الانخراط في مشاريع التنمية وأوراش الاصلاح الاقتصادي والسياسي والمؤسساتي والحقوقي التي يقودها ويَرْعَاها جلالته.
لقد حقق المغرب خلال العشرينَ سنةً الماضية إنجازاتٍ كبرى ونوعية في جميع المجالات. فقد غَيَّرتْ المنجزاتُ الـمُحَقَّقَةُ في مجال التجهيزات الأساسية وجهَ المغرب، وجعَلَتْهُ وِجْهَةً مفضلةً للاستثمارات الخارجية الاستراتيجية، ويَسَّرَت تحديثَ بنيات الإنتاج ومكنتْ من تطوير الخدمات فيما حققت الاستراتيجياتُ القطاعية الوطنية نجاحاتٍ كبرى. وكان من ثمارِ كل ذلكَ تحسنُ المداخيل وولوج المواطنين إلى الخدمات.
وبالتأكيد، فإن الـمُنْجَزَ في المجالات الاقتصادية، والبنيات الأساسية ماكان لِيتَحَقَّقَ لولا الاصلاحات الكبرى الجِرِّيئَة، المؤسساتية والسياسية التي اعتمدتها بلادُنا، وخاصة ترسيخَ البناء الديموقراطي والمؤسساتي، وصيانةَ حقوق الإنسان وإيجاد الإطارات التشريعية والمؤسساتية والمناخ العام الملائم للتطوير والتحديث.
وقد كان من عَنَاوينِ العشرينَ سنةً الماضية إطلاقُ مصالحاتٍ كبرى : مصالحة مع التاريخ، ومع المجال، ومع الثقافات والحسم في قضايا مجتمعية كان يُنظرُ إليها على أنها معضلاتٌ يصعبُ حَلُّها.
وقد يَسَّرَ تراكمُ الإصلاحات، والجُرأةُ في التخطيط لها وتصوُّرِها وإنجازها، واعتمادُ منهجية الإشراك والتوافق، بمشاركة القوى الحية بالبلاد تحت قيادة جلالة الملك، وبالالتفاف حول الملكية، لقد يَسَّرَ كل ذلك، وأَثْمَرَ، مناعةً وطنيةً تدعو للاعتزاز، وكان في أساسِ تحقيقِ إصلاحٍ مؤسساتيٍ ودستوري حاسمٍ وفاصلٍ في 2011، عنوانه المصادقة على دستورٍ جديد، وتفاصيلُهُ إصلاحاتٌ هيكليةٌ ومؤسساتيةٌ وتشريعيةٌ كانت المؤسسة التشريعية في صُلْبِها.
وبِقدرِ ماكانت هذه المحطة، حصيلةَ إصلاحات، انطلقت خلال تسعينيات القرن الماضي وترسخت وأخذت أبعادَ أعمق، وجعلت الانسان في صُلْبِها مع تولي جلالة الملك العرش، بقدر ما أطلقتْ دينامياتٍ جديدة في المجالات السياسية والمؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وفي المجمل، فإن إصلاحاتِ أكثرَ من عشرينَ عاماً هي ما يُيَسِّر مناعةَ المغرب إزاء ارتدادات محيطٍ اقليمي، مُتَمَوِّجٍ أحياناً، ومُهْتَزٍ أحياناً وعنيفٍ مُدمّرِ في أحيان أخرى.
وقد كان، وسيبقى، من الطبيعي أن تكونَ قضيةُ الوحدة الترابية للمملكة في طليعةِ اهتمامِنا المشترك، وأن تكونَ أَمَّ القضايا، وهدفاً لجهودنا الجماعية، بقيادة جلالة الملك من أجل تَثْبيتِ سيادة بلادنا على أقالـيمها الجنوبية ؛ وهو ما تحقق، بسحب عددٍ من الدول اعترافَها بالجمهورية الوهمية، وبالدعم الواضح والصريح لمقترح المغرب بشأن الحكم الذاتي الذي يحظى بتقدير كبير من جانب المجموعة الدولية، وبتَشَبُّث سكان الأقاليم الجنوبية بمغربيتهم، ومواصلةِ انخراطهم ومشاركتهم في البناء المؤسساتي الوطني، الجهوي والمحلي، وبمشاريعِ التنمية الاستراتيجية والمهيكلة الجاري إنجازُها في الاقاليم الجنوبية لتأهيلِها حتى تكون واجهةَ المغربِ على افريقيا وبوابَتَه نحو هذه القارة التي أصبحت لبلادِنا مكانةٌ متميزةٌ بها، وحيثُ يحظى المغربُ بتقديرٍ خاص تُعَزِّزُه الشراكاتُ التي يُقِيمُها مع الأغلبية الساحقة من بلدان القارة في سياقِ تنفيذِ سياسة دولية تركز على التعاون جنوب-جنوب، خاصة بعد عودة المغرب الناجحة والاستراتيجية إلى الاتحاد الإفريقي.
فإلى جلالة الملك محمد السادس، وإلى القوات المسلحة الملكية وقوات الأمن والدرك والقوات المساعدة، وإلى أخَوَاتِنا وإخواننا المرابطين في الأقاليم الجنوبية، مُثَبِّتِين الوحدة الوطنية، ومدافعين عن سيادة الوطن، كلُّ التحيةِ والتقديرِ والإجلالِ.
السيدات والسادة الوزراء
السيدات والسادة النواب
السيدات والسادة
مراكمةً لهذه المكاسب، وفي سياقِ ترسيخِ الإصلاحات وتعميقِها وتوسيعها، تأتي حصيلةُ ما نَحنُ بِصَدَدِ ترصيدِه خلال الدورة التشريعية التي نختتم اليوم، في مجالاتِ التشريع ومراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية والدبلوماسية البرلمانية.
واسمحوا لي أن أوضحَ أن هذه الحصيلة الجماعية التي ساهم في تحقيقِها مجموعُ الفِرَقِ النيابية والمجموعة النيابية، أغلبيةً ومعارضةً، وأجهزةُ المجلس بتعاون وتكامل مع الحكومة، بعيدةٌ عن أن تُختزَلَ في بُعدِهَا الكمي، إذ يتعلق الأمر، في باب التشريع، بِمُنْجَزٍ نوعي يتمثل في المصادقة على مشاريع نصوص مؤسِّسة تَقَع في صلب الإصلاحات الكبرى التي تعتمدها بلادنا ترصيداً وتكريسا لـمسار الإصلاح والتقدم.
ويتعلق الأمرُ أيضا بنصوص قانونية جزءٌ منها يعتبر استمراراً للدستور، وتُؤَطِّرُ قضايا وإشكاليات كانت تعتبر مزمنةً، وتَرْهَنُ جزئيا مستقبلَ البلاد، وتعتبرُ المصادقةُ عليها تكريساً للحقوق في أبعادها العميقة والاستراتيجيةٍ، الانسانيةٍ والثقافية والخدماتية والاقتصادية والاجتماعية، ومرحلةً فاصلة في تاريخ المغرب وفي مسار الإصلاح.
السيدات والسادة،
لقد ظل الرأي العام، يُتَابِعُ ويتطلعُ إلى مصادقةِ البرلمان على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، إِعْمَالاً لروح الدستور وخاصة الفصل الخامس منه، ومشروع القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية.
واسمحوا لي، في هذه المناسبة أن أوضحَ، أن الأمرَ يتعلقُ بنَصَّيْـنِ استراتيجيين، لهما من الأهميةِ ومن الأثرِ على المجتمع، وعلى المستقبل، ما كان يتطلب إنضاجاً وتوافقاً وطنيا أوسع، وأكثر استيعاباً للآراء، إِذْ الأمرُ يتعلقُ بمشتركٍ ثمينٍ ويَوْمِـيٍ بالنسبة لجميع المغاربة، يمتد في التاريخ، ولكنه أيضاً يوضح الطريق إلى المستقبل الجماعي والجَمْعِـي.
إن الأمرَ يتعلقُ في ما يرجعُ إلى القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية بتكريس التعددية الثقافية واللغوية والتنوع الحضاري، وبإعمال مقتضيات الدستور في ما يرجع لصيانةِ تلاحمِ وتَنَوُّعِ مقومات الهوية الوطنية للمملكة، تلك الهوية الموَحِّدَةُ بانصهار مكوناتها الغنية والمُـثـْرية.
إن الأمازيغية، السيدات والسادة، أكبرُ وأَثْرَى من أن تُخْتَزَلَ في قوانين أو مراسيم أو قرارات إدارية، على أهميتها، فهي ثقافةٌ غنيةٌ مشتركةٌ بين المغاربة، وهي جزءٌ أساسي من تاريخ، وهوية وحضارة هذا البلد.
وبقدر ما تدعو المصادقة على القانون التنظيمي بشأن الأمازيغية، للارتياح، بقدرِ ما تضعُ على كاهِلِنا جميعاً، سلطاتٍ تشريعية وتنفيذية واحزاباً ومجتمعاً مدنياً ومؤسساتٍ عموميةٍ وخاصةٍ، مسؤولياتٍ كبرى. وإذا كُنّاً في مجلس النواب مطالبون بالمراقبة القريبة والدقيقة لتنفيذ مقتضيات القانون، فإننا مطالبون جميعا، مؤسساتٍ وسُلَطاً، بالإبداع والاجتهاد في صيغ تنفيذها، وبالجودة المطلوبة، وبتكثيف البحث الأكاديمي والتكوين، والتقييم حتى يتأكد أثر هذا التشريع على علاقة الإدارة بالمواطن وفي الحياة العامة.
ويتعلق الأمر في ما يخص القانون التنظيمي بشأن المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، الذي يتمفصل على نحوٍ وثيقٍ مع القانون التنظيمي المتعلق بالأمازيغية، بِنَصٍّ يؤطرُ تفعيلَ الاصلاحات الجوهرية والمبادئ الواردة في الدستور، إذ يُحدثُ مؤسسةً دستوريةً مهمتُـها اقتراحُ التَّوَجُّهاتِ الاستراتيجية للدولة في مجال السياسات اللغوية والثقافية وتنميةِ وحمايةِ اللغتين الرسميتين للبلاد وباقي اللهجات المحلية وفي مقدمتها الحَسَّانِيَةُ هذا الرَّافِدُ الأساسي الغَنِـي في الثقافة المغربية.
وبحكم مَهَامِّه، سيكونُ هذا المجلس بمثابةِ مختبر وراصد مساهم في التنمية الثقافية واللغوية وحماية الهوية الوطنية، وسيكون سَنَداً للسلطة التشريعية في تجويد النصوص وتَبَيُّنِ أثرِ السياسات العمومية اللغوية على المجتمع.
وبمصادقتنا على هذين النصين نكون قد أنْهَيْنَا تقريباً المصادقة على القوانين التنظيمية المنصوص عليها في دستور 2011، في انتظار المصادقة على القانون التنظيمي المتعلق بحق ممارسة الإضراب الذي ينبغي أن نُنْضجَ التوافقَ الوطني حوله اعتباراً لأهميتِه وآثارِه وحساسِيتِهِ.
وفي نفس أفق الإصلاح، صادق المجلسُ على مشروع قانون-إطار يتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، الذي كان موضوع نقاشٍ وطني واهتمامٍ خاص من جانب الرأي العام مما يعكس ما تكتسِيهِ المسألةُ التعليمية في بلادنا من اهتمام، ومن مكانةٍ مركزية بالنسبة للأُسَر والفاعلين السياسيين وبالنسبة للمؤسسات. ولايخفى على الجميع رهاناتُ هذا الإصلاح الاستراتيجي والـمُعَوَّلِ تحقيقُه من هذا القانون.
وإذا كان اعتماد القانون-الإطار سيوضحُ الرؤية أمام الجميع في ما يتعلق بقطاع حيوي بكل المقاييس، وسيُلزم الجميع بالبناء على التراكم ويُجَنب إخضاع قطاع حيوي واستراتيجي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفي الهوية، وفي الانفتاح وتكوين أطر المستقبل، لتقلبات السياسات الحكومية، فإنه في نفس الوقت يَضَعُنَا في السلطتين التشريعية والتنفيذية إلى جانب الشركاء الاجتماعيين، أمام مسؤولياتٍ جديدة تتعلق بالتنفيذ، وتَبَيُّنِ آثار الاصلاح وباعتماد التشريعات الأخرى التي ينبغي أن تتفرعَ عن القانون الإطار، والمراسيم التطبيقية لإِنْفَاذِ القانون، علما بأن المجموعة المكلفة بتقييم السياسات العمومية بالمجلس تشتغلُ هذه السنة على موضوع التعليم الأولي الذي لا تخفى أهميته في النهوض بمستوى منظومة التربية والتعليم.
إن الأمر يتعلق برهان استراتيجي لبناء مدرسةٍ مغربيةٍ تُكَوَّنُ النخب والأطر والمهارات ومواطن الغد، وتُيَسِّر الرقي الاجتماعي والانفتاح. وكما سبق لجلالة الملك محمد السادس أن أكد على ذلك فإن إصلاح التعليم “يجب أن يظل بعيدا عن الأنانية، وعن أي حسابات سياسية ترهن مستقبل الأجيال الصاعدة، بدعوى الحفاظ على الهوية. فمستقبل المغرب كله يبقى رهينا بمستوى التعليم الذي نقدمه لأبنائنا”.
السيدات والسادة
أنْهَيْنَا الدورة الربيعية، من جهة أخرى بالمصادقة على قوانين طال انتظارُها، أعتقدُ أنها تُدَشِّنُ لمرحلةٍ جديدةٍ في تجديد التشريعات الوطنية الموروثة عن فترة الحماية. ويتعلق الأمر بثلاثة قوانين بشأن أراضي الجماعات السلالية (تدبيرها وتحديدها وما يترتب عن ذلك من استغلال واستثمار). إن الأمرَ يتعلقُ بقوانينَ إصلاحية تأسيسيةٍ تُؤطرُ حقوقَ الجماعات السلالية وتُقَنِّنُ الاستغلال مما من شأنه، لَيسَ فقط صيانةُ حقوق الأفراد والجماعات، ولكن جعلُ هذه الأراضي منتجةً للثروة وللشغل في إطار القانون وعلى أساس التنظيم العصري مما سيُمَكِّنُ من تجنبِ العشوائية، ويضمن حق الملكية باعتباره حقا دستوريا وكَوْنِياً، ويُنهي مئات النزاعات المزمنة حول هذه الأراضي التي ينبغي أن يخضع استغلالها وتدبيرها لحكامة ملائمة للسياق الاقتصادي والاجتماعي الجديد ولأنماط الانتاج الجديدة.
السيدات والسادة،
لقد مكنت إصلاحاتُ أكثر من عقدين من الزمن، المغربَ من أن يَتَمَوْقَعَ كقوةٍ صاعدة، وبَلَدٍ شريكٍ ذي مصداقية على الساحة الدولية، ومن نَسْجِ علاقات استراتيجية، اقتصادية وسياسية وثقافية مع العديد من البلدان والتكتلات الاقتصادية. وقد كان مجلس النواب دائما منخرطاً في دينامية توطيد العلاقات الخارجية للبلاد من خلال الدبلوماسية البرلمانية. وبالموازاة مع ذلك، وفي إطار مهامه التشريعية، وافق المجلس خلال هذه الدورة على عدة اتفاقيات وقعها المغرب مع بلدان وتكتلات اقتصادية. وفي هذا الصدد، تندرجُ مصادقةُ المجلس على مشروع قانون يُوافَقُ بموجبه على الاتفاق المؤسس لمنطقة التجارة الحرة الإفريقية القارية (La ZLECAF) والتي تعتبر مرحلة فاصلةً في تاريخ العلاقات الاقتصادية والاجتماعية الإفريقية، وستمكنُ بلادَنا، بحكمِ إمكانياتها واستثماراتها في القارة، من الولوج الحر للأسواق الإفريقية مع ما لذلك من انعكاساتٍ إيجابية على الدينامية الاقتصادية والخدماتية بالمغرب، وعلى المقاولة الوطنية بفضل الامكانيات الهائلة والآفاق الواعدة للاقتصادات الإفريقية.
ويندرج هذا التوجه في إطار سياسةِ المغرب الافريقية الجديدة التي يقودها جلالة الملك بحكمة ورؤية استراتيجية أساسها الصدق والربحُ المشترك والشراكة التي تضع الإنسان في صلبها، وتفضل مصالح إفريقيا وشعوبها.
وفي نفس أفق الشراكات الدولية التي تربط بلادنا مع التكتلات العالمية، صادق المجلس على مشروع قانون يوافق بموجبه على اتفاق الشراكة في مجال الصيد البحري المستدام بين المملكة المغربية والاتحاد الأروبي الذي يعتبر شريكا استراتيجيا تقليديا للمغرب. ولا تخفى عليكم أهمية الشراكة مع الاتحاد الأروبي من الناحية الاستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية في سياق إقليمي، يتميزُ في منطقة حوض المتوسط، بنزاعات داخليةٍ وعابرةٍ للحدود مزمنةٍ، وتتسبب في مآسي اجتماعية كبرى تتمثل في الهجرات القَسْرية والنزوح الجماعي واللجوء والإرهاب.
وسواءً تعلقَ الأمرُ بإفريقيا أو أروبا أو غيرهما من الفضاءات الجيوسياسية، فإن مجلس النواب مطالبٌ بمواصلةِ التعبئة واليقظة من أجل تتبعِ مسارِ إنجازِ الاتفاقيات المبرمة ومواكبة الدبلوماسية الوطنية في معاركها من أجل تثبيت تَمَوْقُعِ بلادِنَا، قوةً صاعدةً ذات مصداقية.
السيدات والسادة،
يوازي هذا المنجزُ التشريعي جهدٌ رقابيٌ يقِظ يتمثلُ في الأسئلة الشفوية والكتابية ومساءلة الحكوة في إطار اللجان الدائمة. والملاحظُ أن قطاعيْ الصحة والتعليم تَصَدَّرَا اهتمامات أعضاء المجلس وَهُمْ يمارسون مهامهم الرقابية من خلال الأسئلة الشفوية يَلِيهِمَا قطاعاتُ الفلاحة والتنمية القروية والمياه، ثم الداخلية والأسرة والتضامن.
ويعكس هذا التوجه تجاوبَ أعضاء المجلس وتفاعلهم مع انتظارات الرأي العام وهو مؤشر إيجابي ودَالٌ على تفاعلِ المجلس مع السياق والأحداث، ومع تطلعات المجتمع.
وفي نفس السياق كانت الجلسات الشهرية المخصصة للسياسة العامة التي يجيب فيها رئيس الحكومة على أسئلة أعضاء المجلس مناسبة لمناقشة بناءة لما لا يقل عن ثمان مواضيع تهم السياسات العمومية تصدرتها مرة أخرى الصحة والجهوية واللاتمركز الإداري والسياسة المائية وأوضاع إخواننا وأخواتنا في المهجر.
وتميزت الدورة بمناقشة حصيلة العمل الحكومي برسم النصف الأول من الولاية 2016-2012 و التي قدمها السيد رئيس الحكومة، وكانت مناسبة أخرى للتفاعل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ولمناقشة بناءة وعميقة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالبلاد.
وواصل المجلس رصد التعهدات الحكومية خلال جلسات الأسئلة الشفوية كوسيلة للرقابة التالية بعد جلسات الأسئلة. وفي هذا الصدد راسلنا الحكومة خلال هذه الدورة بشأن 46 تعهداً حكوميا وتوصلنا بـ 24 جوابا عن مراسلات برسم هذه الدورة والدورة السابقة. وفي أفق الاصلاحات التي نشتغل عليها مع السادة رؤساء الفرق والمجموعة النيابية ومكتب المجلس، سنعمل من أجل جعل آلية التعهدات الحكومية منتجة للأثر في السياسات العمومية وعلاقة المواطنين بالإدارة. وسنعمل على إدراج هذا الإصلاح في سياق مجموعة جديدة من الاصلاحات نحن بصدد استشرافها في إطار المكتب، مع السادة رؤساء الفرق النيابية ورئيسة المجموعة النيابية وستهم أيضا منظومة الأسئلة الشفوية لجعلها أكثر جاذبية ونجاعة.
السيدات والسادة،
في الشق الرقابي دائما، واصلت اللجان النيابية الدائمة مهامها الرقابية إذ عقدت لهذا الغرض 27 اجتماعاً (من مجموع 63) ساءلت خلالها أعضاء الحكومة ورؤساء ومسؤولي عدد من المؤسسات العمومية.
وأود في هذا السياق أن أثمن العمل الذي تقوم به لجنة مراقبة المالية العامة التي استمعت وناقشت عروض رؤساء مؤسسات عمومية استراتيجية بحضور الوزراء الأوصياء على كل قطاع معين. ولا تخفى عليكم أهمية ذلك في تكريس ثقافة الرقابة على المال العام وعلى التدبير، ومن أجل إِعْمَال الحكامة في المرفق العام، من جانب مجلس النواب. ونفس التثمين تستحقه باقي اللجان الدائمة التي تكرس جزء من أشغالها للمهام الاستطلاعية التي تنجزها والبالغ عددها برسم الدورة سِتَّةَ مهام في إطار المراقبة البرلمانية الـمُتَّسِمَةِ بالقرب والعمل في الميدان وترصيد التقييم، إلى جانب النهوض بمهامها التشريعية.
السيدات والسادة،
لم تُثْنِنَا كثافةُ أشغال المجلس التشريعية والرقابية، عن مواصلة اشتغالنا في واجهة الدبلوماسية البرلمانية والعلاقات الخارجية. وفي هذا الصدد كانت قضيةُ الوحدة الترابية للمملكة، وستظلُّ، في صلب مهامِ أعضاء المجلس وأجهزتِه في إطار المنظمات والمنتديات البرلمانية الثنائية والمتعددة الأطراف، وفي إطار اللقاءات الثنائية مع البرلمانات الوطنية، في باقي البلدان. واسترشاداً بالرؤية الملكية وبالنهج الذي يرعاه جلالتِه في ما يخص العلاقات الخارجية للمغرب، واصل المجلس انخراطه في مسيرةِ التعريف بمشروعية تَثْبِيتِ سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية وشَرْحِ المضمون الديمقراطي لمقترح الحكم الذاتي.
وفي هذا الصدد حرصنا في مجلس النواب على أن نكون استباقيين بإجراء اتصالات ومباحثات و تنظيم منتديات مع عدد من البرلمانات الوطنية والجهوية خاصة في أمريكا اللاتينية وأفريقيا حيث نشتغل بدينامية ويقظة والتزام في منظمات برلمانية جهوية وقارية وآسيا حيث نقيم علاقات متميزة مع برلمانات بلدان صاعدة.
وقد حرصنا على أساس الإقناع على حشد الدعم لموقف بلادنا المشروع في تثبيت سيادتها على أقاليمنا الجنوبية المسترجعة، وذلك في إطار التعاون والتكامل مع الدبلوماسية الحكومية وبالطبع وفق رؤية جلالة الملك نصره الله.
وبالموازاة مع التعريف بالإصلاحات التي تعتمدها بلادنا وإمكانياتها الاستثمارية ومواقفها المعتدلة ونهجها السلمي في تسوية النزاعات والأزمات، واصلنا مبادراتنا الإقليمية والدولية واشتغالنا في إطار دبلوماسية برلمانية من أجل السلم والعدل والتوازن في العلاقات الدولية والتنمية المستدامة ومن أجل تسوية المعضلات التي تسائل المجموعة الدولية كالهجرة واللجوء والاختلالات المناخية، والتصدي للآفات التي تُعتبر تهديداً للأمن الجماعي كالإرهاب والتطرف والتعصب والدفاع عن العدل في العلاقات الدولية. وفي هذا الصدد واصلنا الدفاع عن قضية الشعب الفلسطيني ولم نفوت أي مناسبة للترافع عن قضية هذا الشعب.
وقد واصلنا اشتغالنا في واجهة الدبلوماسية البرلمانية على أساس الاستدامة، والمأسسة، والترصيد وبناء الثقة.
السيدات والسادة،
تزداد قناعتنا في إطار أجهزة المجلس، (مكتب المجلس ورؤساء الفرق والمجموعة النيابية ورؤساء اللجنة) بأن الحصيلة الإيجابية المحققة، كانت بفضل الانخراط الجماعي ومنهجية التوافق، ولكنها كانت أيضا ثمرة نمط الحكامة التي اعتمدتها هذه الأجهزة.
في هذا الصدد، ينبغي التذكير بمواصلة رصد حضور أعضاء المجلس في الجلسات العامة وتوسيعه خلال هذه الدورة ليشمل الحضور في أشغال اللجان التي بلغ معدل الحضور في اجتماعاتها 72 في المائة في 63 اجتماعاً فضلا عن المشاركة في المهام الاستطلاعية. إن الأمر يتعلقُ بتكريسِ ثقافةِ المسؤولية وأداء الواجب وبعمل بيداغوجي في الممارسة المؤسساتية والسياسية.
وتكريساً لواجب انفتاح المجلس على المجتمع، وإعمالا لمفهوم البرلمان المنفتح عقدنا أول اجتماع موسع، بمعية أعضاء مكتب المجلس، مع عدد كبير من هيئات المجتمع المدني، من جمعيات وائتلافات جمعوية، ذات اهتمامات مختلفة ومن مختلف أقاليم المملكة. وقد مكننا هذا اللقاء من اكتساب تصور عن كيفية مأسسةِ انفتاحِنا ولقاءاتِنا مع المجتمع المدني هذا الشريك الأساسي في ترسيخ الديمقراطية والحكامة.
وفي نفس السياق ينبغي التذكير بشروع لجنة العرائض بالمجلس في أشغالها وتلقيها لأول عريضة في إطار الديمقراطية التشاركية وإعمالا لمقتضيات الدستور والنظام الداخلي والقانون التنظيمي الخاص بالعرائض.
وانطلاقا من الممارسة، وبعد حوالي ثلاثِ سنواتٍ من دخول القانونيين التنظيميين حول العرائض والملتمسات من أجل التشريع، حيز التنفيذ، ينبغي أن نستشرف معا، في البرلمان والحكومة، في إمكانية جعل شروط ومساطر تلقي العرائض والملتمسات أكثر مرونة، وهو ورشٌ تشريعيٌ ينبغِي استشرافُه في الأجلِ المنظور.
السيدات والسادة،
في سياق تفعيل الآليات التي أحدثها المجلس لتجويد أعماله، واصلت المجموعات الموضوعاتية والمهتمة بالقضية الوطنية، والمساواة والمناصفة، والقضية الفلسطينية والشؤون الإفريقية اشتغالها. وسنحرص ابتداء من الدخول البرلماني المقبل على استثمار ما هي بصدد الاشتغال عليه.
السيدات والسادة،
تُشارف السنة التشريعية الثالثة على الانتهاء، مما يفرض علينا جميعاً، العمل على إتمام الأوراش الإصلاحية التي دشناها، والتي ينبغي أن تعزز ديناميات الإصلاح التي تعرفها بلادنا بما يعزز تقدمها وازدهارها ومما يجعل الإصلاح ملموساً لدى المواطنات والمواطنين ويتجسد في التحسن الملموس لأوضاعهم وللخدمات التي ينبغي أن تقدم إليهم في إطار الكرامة والاعتزاز بالانتماء للوطن، ذلكم أن الإصلاح محتاج دوماً إلى نَفَسٍ مُجَدِّدٍ وإلى الزَّخَمِ الذي تمنحه إياه المشاركة الواعية.
في الختام أود أن أشكر السيد رئيس الحكومة وكافة أعضائها ومن بينهم السيد الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، كما أتوجه بالشكر إلى كافة أعضاء المجلس، نساء ورجالا، إذ إن مساهمة الجميع وروح التعاون التي طبعت أشغالنا هي ما يَسَّر إنجاز هذه الحصيلة التي نعتبرها حصيلة الجميع، وهي للوطن أولا وأخيراً.
وأشكر أيضا جميع المصالح الساهرة على أمن المؤسسة، كما أشكر ممثلي وسائل الإعلام الذين تناولوا الشأن البرلماني كل من زاوية نظره، والشكر بالطبع موصول لموظفات وموظفي المجلس على تعبئتهم المتواصلة من أجل مواكبة أعمالنا.
أشكركم على حسن الإصغاء والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.