بقـلـم أحمـد بلغــازي
عندما ينظر الباحث عن موقع مدينة الخميسات إلى الخريطة، يعتقد لأول وهلة، أن موقع هذه المدينة الرابطة بين العاصمة الإدارية وشرق المملكة كاف وحده ليعطي الإنطباع بأنها أكثر من محظوظة.
فعلاوة على أنها لا تبعد عن عاصمة المملكة سوى بـ 70 كلم شرقا، و بـ 55 كلم عن العاصمة الإسماعيلية غربا ناهيك عن مسافة لا تزيد عن ذلك بكثير تفصلها عن عاصمة القرويين.
فهي بدورها “عاصمة” لإقليم وقبائل موزعة على 4 دوائر و13 قيادة و31 جماعة محلية وأربع بلديات، يفترض أنها في خدمة ما لا يزيد عن 170 ألف نسمة من السكان.
وإلى ذلك، فهي مدينة بصمت تاريخ المقاومة من أجل الإستقلال، وكانت على الدوام رافدا للقوات المسلحة الملكية من خلال انتساب عدد كبير من أبنائها إلى هذه المؤسسة التي تعد فخرا للبلاد، دون أن ننسى، أن عددا من هؤلاء تدرج في رتب عسكرية سامية، وكان من بينهم شهداء من أجل حماية حوزة التراب الوطني.
وعدا ذلك، فقد أعطت هذه المدينة، بامتدادها الإقليمي، كفاءات في كل المجالات سواء منها العلمية أو الرياضية أوالفنية، أو على مستوى القيادات السياسية، ولا يتسع المجال لتقديم التفاصيل في كل ما أعطته مدينة الخميسات وإقليمها على كل هذه المستويات بما في ذلك المجال الرياضي الذي وسمت به صدر المغرب بذهبية إبراهيم بوطيب وزهرة واعزيز وغيرهم من أبطال المغرب في تاريخ الرياضة.
لكن عندما يطرح السؤال اليوم، أو على الأصح، عندما تتم معاينة هذه المدينة في واقعها الماثل للعيان، وقد مضى على” ترقيتها ” إلى عمالة أزيد من أربعة عقود، فإن المرء لا يكاد أن يصدق بأن هذه هي عاصمة زمور وفق معطيات التاريخ والجغرافيا وماضي أهلها.
إن واقعها لا يعطي الانطباع لعابرها سوى أنها محطة للعبور شرقا أوغربا.
فليس فيها ما يلفت الإنتباه سوى شباب تبدو على وجوهه تعاسة الواقع وفقدان الأمل في الحصول على فرصة شغل، وشيوخ تبدو على محياهم خيبة أمل في حاضر لم يكونوا يتوقعونه كما فرضه عليهم المنتخبون المتعاقبون، ورجال سلطة تواطأوا في أزمنة مختلفة مع انتهازيين محليين، فقضى كل منهم مصالحه الخاصة عبر صفقات دارت بينهم تحت الطاولة بالملايير، ولا أثر منها، حتى بالملاليم في واقع (عاصمة زمور ).
أحيانا، وأمام الواقع المرير لهذه المدينة، يتساءل أهلها عن نوع الطينة التي انبثق منها كبار القوم الذين اختلسوا ثقة الساكنة بوعود كاذبة، ويتساءل البعض عن السر الذي يجعل أعين جهات تفتيشية رسمية، لا تكتشف مفارقات هذه المدينة والفارق مابين الملايير التي ترصد لمشاريع لا وجود لها في أرض الواقع ؟! بل وكيف فات كل جهات الرقابة بمختلف مسمياتها، تتبع مسار منتخب تحول من بائع “معقودة” فعامل مهاجر إلى متلاعب بالصفقات باسم تنمية المدينة والإقليم، وتحت مسمى برامج على الورق، يكذب الواقع وجودها على الأرض، ولو من باب فارق التكلفة مقارنة بما تتضمنه دفاتر التحملات.
بل وكيف فات كل الجهات المنوط بها رصد الإختلالات في التسيير الجماعي والجهوي، أن لا ترى ما يراه المواطن الزموري البسيط، من توزيع للصفقات على أخطبوط من المقاولات التي تؤسس من طرف المتحكمين المتواطئين، خصيصا لإختطاف الميزانيات المرصودة لمشاريع موجهة للبنية التحتية بعاصمة زمور والجماعات التابعة لها أو لمشاريع تنموية، وكيف أن هذه المقاولات مجرد فروع عائلية وزبونية تصب في نفس المنبع الرئيسي، المتمثل في لوبي من رؤساء جماعات يدورون في فلك كبيرهم “مول المعقودة”، الذي أصبح محورا لكل عمليات النهب والتدليس.
لكل ذلك، مما أشرت إليه، ومما فضلت تأجيل الحديث عنه، أود أن أوجه انتباه الجميع، إلى أن الضغط يولد الإنفجار، وما نرجوه على الأقل لعدم الوصول إلى مرحلة لا يتمناها كل محب لبلاده يغار على صورتها أمام العالم، أن تتعامل السلطة الترابية والمجلس الأعلى للحسابات وكل من له صلاحية المراقبة والتمحيص في وجهات إنفاق المال العام، لإعادة الإعتبار لمدينة الخميسات وإقليمها، وإشعار أصحاب الشهيات المفتوحة على السحت، بأن للعبث حدودا، وأن هذه المدينة ليست ضيعة سائبة … وأننا باسم الساكنة المظلومة في هذه المدينة وإقليمها، قد نضطر، إن لم تتم المبادرة بسرعة لتدارك ما يمكن تداركه ومحاسبة المفسدين الذين أتوا على الأخضر واليابس تحت جلباب “السياسة “، للجوء إلى طلب الإنصاف من جلالة الملك نصره الله، مصدر الإنصاف والغيور على وطنه وشعبه ..فاللهم إني قد بلغت.