وأوضحوا خلال هذه الندوة التي انعقدت على هامش فعاليات المعرض الدولي للكتاب ببروكسيل، الذي يحضره المغرب كضيف شرف، أن “المغرب التعددي” هو قيمة ثمينة استطاعت المملكة الحفاظ عليها، على الرغم من كل ما تهددها من ظروف تاريخية صعبة ومنعطفات فرضتها التجاذبات الجيو-سياسية الإقليمية والعالمية في أحيان كثيرة.
وفي مداخلة له خلال هذه الندوة، أوضح السيد بول دحان، المحلل النفساني وعضو مجلس الجالية المغربية بالخارج، أن من واجب المغاربة الاهتمام بماضيهم، والانكباب على البحث في تاريخهم وأصولهم والمواضيع المتعلقة بالانتماء والهوية، لما لها من أهمية قصوى في إشاعة روح التعايش والمساعدة على استشراف مستقبل يقوم على الإخاء والتسامح.
وأوضح السيد دحان، وهو أيضا مندوب رواق المغرب بالمعرض الدولي للكتاب ببروكسيل، أن المكون اليهودي هو جزء لا يتجزأ من الفسيفساء الإثنية والدينية التي طالما ميزت المغرب على مر السنين، وهو الأمر الذي كرسه دستور المملكة لسنة 2011، من خلال الإقرار بأن المكون اليهودي هو واحد من الروافد الأساسية المشكلة للهوية المغربية.
وأضاف أن المشكل المطروح في المغرب هو “مشكل ذاكرة”، مبرزا في هذا الصدد أن اليهودية كانتماء اجتماعي وثقافي وديني راسخ في الموروث الجماعي لكل المغاربة، “غير أن الأمر يتطلب أحيانا عملية تنشيط للذاكرة”.
من جهته، قال السيد جامع بيضا، مدير مؤسسة أرشيف المغرب، في مداخلة مماثلة، إن المملكة التعددية القائمة اليوم هي نتاج تاريخ حافل بمظاهر التمازج والانصهار الثقافي والمجتمعي والإثني، ومحطات شتى من التعايش بين معتنقي الديانات السماوية الثلاث، مؤكدا أن الجغرافية المتفردة للمغرب لعبت دورا حاسما في هذه التعددية المميزة التي تعد كنزا يحق للمغاربة أن يفخروا به.
وأوضح السيد بيضا أن أحد أبرز مظاهر حماية الأقليات في المغرب، كان من دون شك، رفض المغفور له الملك محمد الخامس، طيب الله ثراه، لقوانين حكومة فيشي العنصرية التي كانت غايتها اضطهاد اليهود المغاربة، مشيرا إلى أن خزانات أرشيف المغرب وفرنسا وبلدان أخرى زاخرة بالوثائق المتعلقة بهذه المحطة الوضاءة من تاريخ المملكة، والتي “لا سبيل لضحدها بأي شكل من الأشكال”.
في سياق متصل، سلط السيد بيضا الضوء على كتاب “كان يا ما كان تومليلين…” (Il était une fois Toumliline …)، المنجز من طرف أرشيف المغرب ومجلس الجالية المغربية في الخارج، والذي يعد رصدا لجانب مشرق من الحضور المسيحي الكاثوليكي في المغرب، ويبرز قيم العيش المشترك وروح الحوار بين الأديان والاحترام المتبادل الذي يطبع الشخصية المغربية.
وأشار إلى أن مضمون الكتاب يستمد من تاريخ المغرب دروسا كفيلة بتعزيز روح العيش المشترك والأخوة التي كان دير تومليلين بالأطلس المتوسط نموذجا لها.
يشار إلى أن هذه الندوة شكلت مناسبة لإبراز النموذج المغربي للعيش المشترك بين مختلف الديانات السماوية التوحيدية، المعطى الراسخ في تاريخ البلاد الذي يقدم نماذج متفردة للتعايش المثالي بين غالبية المسلمين والأقليات الدينية اليهودية والمسيحية.
يذكر أن المعرض الدولي للكتاب ببروكسيل في دورته الخمسين يحتفي بالمغرب وإبداعه الأدبي، وذلك من خلال مشاركة مميزة تحت شعار “المغرب يتجلى”.