تنوعت قصص نجاح المغرب في تدبير جائحة (كوفيد-19) خلال 2021 التي تشارف على الانتهاء، أبرزها تحقيق أكبر معدل تلقيح على صعيد إفريقيا، والشروع في تصنيع وتعبئة اللقاحات لتزويد القارة بها، في ظل الظرف الدولي الراهن المطبوع بأزمة وبائية في مجموعة من البلدان بعد ظهور متحور “أوميكرون” الجديد.
وبالفعل، استطاع المغرب أن يكون من بين البلدان الأولى في العالم التي قامت بأوسع عملية تلقيح ضد (كوفيد-19) بفضل اقتناء اللقاح في وقت مبكر جدا، وانخراط المغاربة في عملية التطعيم.
وهمت نسبة التلقيح أكثر من ثلثي السكان، وهي من أعلى النسب على المستوى العالمي، لاسيما بعد توسيع العملية لتشمل من تتراوح أعمارهم بين 12 و17 سنة. وقد بلغت نسبة الملقحين بالجرعة الأولى 67,20 في المائة، ونسبة الملحقين بالجرعة الثانية 62,6 في المائة، ونسبة الملقحين بالجرعة الثالثة المعززة 6,6 في المائة، بحسب آخر الأرقام الواردة على لسان المنسق المركز الوطني لعمليات الطوارئ العامة بوزارة الصحة والحماية الاجتماعية معاذ المرابط.
هذا الارتفاع في عدد الملقحين بالمغرب يقابله انخفاص مثير للقلق في التطعيمات بعدد من البلدان الإفريقية على غرار جنوب إفريقيا التي أفاد وزيرها في الصحة جو باهلا، مؤخرا ، بأن السلطات تتخوف بشأن الانخفاض “الحاد” في التلقيحات التي شهدتها البلاد في الأسابيع الأخيرة.
وقال باهلا في مؤتمر صحفي حول الوضعية الوبائية في البلاد، إن “عدد اللقاحات التي يتم إعطاؤها يوميا في مختلف مقاطعات البلاد تراوح بين 100 ألف و 130 ألف جرعة”،مشيرا إلى أن الهدف هو تلقيح أزيد من 70 في المائة من السكان، وهذا يتطلب ما لا يقل عن 250 ألف تطعيم يوميا”، في وقت تحتاج البلاد إلى “أكثر من 100 ألف عملية تلقيح إضافي من أجل بلوغ المناعة الجماعية وحماية السكان”.
أما في نيجيريا التي تعتبر أكبر الدول الإفريقية من حيث عدد السكان، فلم يتجاوز عدد الملقحين بالكامل 3.5 في المائة.
وهذا النجاح المغربي في حملة التلقيح اعترفت به العديد من المؤسسات الدولية والإفريقية، من بينها المركز الإفريقي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها الذي أكد أن المغرب ما زال في صدارة الدول الإفريقية التي حصلت ووظفت أكبر قدر من جرعات اللقاح المضاد لفيروس (كوفيد-19)، وكذلك من حيث عدد المطعمين.
كما يقر مسؤولون أفارقة بأن المملكة أضحت بمثابة قطب بالنسبة لإفريقيا في مكافحة الجائحة، ضمنهم المدير العام للمركز الرواندي للأولويات الاقتصادية والسياسية أليكسيس نكورونزيزا الذي قال إن إطلاق وتوقيع اتفاقيات تتعلق بمشروع تصنيع وتعبئة اللقاح المضاد ل(كوفيد-19) ولقاحات أخرى بالمغرب ، خلال حفل ترأسه جلالة الملك محمد السادس يوم 5 يوليوز الماضي بفاس، يضعان المغرب في موقع الصدارة لتزويد القارة الإفريقية باللقاحات المضادة لهذا الفيروس بفضل التركيبة الصينية.
واعتبر أن مذكرة التعاون الموقعة بين الدولة المغربية ومجموعة (سينوفارم) الصينية وكذا الالتزامات التي تم التعهد بها أمام جلالة الملك، تعكس إرادة جلالته جعل المملكة “قطبا قاريا” لتصنيع وتوزيع اللقاحات.
ويعد إطلاق هذا المشروع الذي تقدر تكلفته بـ500 مليون دولار، خبر سار ليس فقط للمغاربة ولكن أيضا للأفارقة، لأنه يساهم بلا شك في تعزيز مكانة القارة في مواجهة التبعية للخارج.
وبحسب نكورونزيزا، فإن المغرب بعد أن صار واحدا من رواد العالم في مجال تلقيح ساكنته ضد (كوفيد-19)، فهو على وشك أن يصبح “بطل إفريقيا في مكافحة وباء فيروس كورونا”، مذكرا بأن المملكة من خلال صناعتها الصيدلانية شاركت في التجربة السريرية للقاح الصيني، الأولى من نوعها على مستوى القارة السمراء.
وأضاف أن المغرب يتوفر على الكفاءات والموارد اللازمة التي تؤهله للتموقع كقطب لجذب الاستثمارات التي تتيحها كبريات شركات الأدوية في هذا المجال، مشيرا إلى أن شأن الرؤية الملكية السامية أن تضمن السيادة الصحية للمغرب، وتمكن دول القارة من الاستفادة من الكفاءات المغربية في مجال إنتاج اللقاحات.
ويحرص المغرب على تقاسم ثمار إنجازاته في زمن الجائحة مع البلدان الإفريقية الشقيقة والصديقة، إذ استضاف معهد (باستور) بالدار البيضاء ، مؤخرا ، ورشة عمل إفريقية لتقاسم التجربة المغربية في مجال التلقيح ضد (كوفيد-19) لفائدة ممثلي حوالي عشرين دولة من القارة.
واختارت مفوضية الاتحاد الإفريقي مراكز للتميز في مجال التلقيح ضد الكوفيد، بما في ذلك معهد (باستور) من أجل مساعدة البلدان الإفريقية على مواجهة تحديات التلقيح لمواجهة هذا الفيروس.
وفي هذا الإطار، نظم المعهد والمركز الإفريقي لمكافحة الأمراض والوقاية منها (Africa CDC) ، مؤخرا ، هذه الورشة بمشاركة حوالي 40 خببرا، وذلك بهدف دعم البلدان الأعضاء في الاتحاد الإفريقي في مجال التكوين المهني الصحي، وتبادل الممارسات الفضلى في تدبير أنشطة التخزين وتوزيع اللقاحات، بالإضافة إلى تقاسم التجربة المغربية فيما يتعلق بالحملة الوطنية للتلقيح ضد (كوفيد-19).
وبفضل هذا الانخراط، يبرز المغرب، بوصفه بلدا تمكن من اغتنام أزمة فيروس كورونا، كرائد لتوطيد التعاون جنوب-جنوب، وتعزيز موقعه على صعيد إفريقيا.
ولصون القفزة النوعية التي حققتها المملكة على مستوى عدد الملقحين، دعا رئيس قسم الفيروسات بالمعهد الوطني للصحة البروفيسور هشام أومزيل المواطنين إلى الانخراط في عملية التلقيح وأخذ الجرعة الثانية بالنسبة للذين لم يتلقوها بعد والجرعة الثالثة بالنسبة للأشخاص الذين حان وقت أخذهم لها.
وأكد السيد أومزيل في تصريح له، أن الانخراط السريع والواسع للكبار والصغار في الحملة الوطنية للتلقيح، سيمكن من الاستفادة من السبق الذي حققته المملكة في عملية التلقيح.