بقلم: أحمد بلغازي
يحتفل الشعب المغربي يومه 11 يناير بوثيقة المطالبة بالاستقلال ،التي تؤرخ كما وثيقة 13 يناير لبداية العد العكسي للاحتلال الفرنسي لبلادنا.
واذا كان جل المغاربة اليوم ،خاصة من الجيل الجديد، لا يعرفون عن وثيقة المطالبة بالاستقلال إلا أنها تلك التي قدمها حزب الاستقلال ،رغم ان الموقعين عليها لم يكونوا جميعا منتسبين الى هذا الحزب، بما في ذلك الشوري الفقيد محمد الشرقاوي، فان هذه الذكرى التي نحتفل بها اليوم جميعا ،لابد وان تكون أيضا مناسبة لتصحيح ما طال التاريخ من تجاوزات ومحاولات تضليل سياسوية.
وبالنسبة لحزب الشورى والاستقلال فان محاولات التصحيح ليست وليدة اليوم. ففي مناسبات مختلفة، وتحديدا بمناسبة هذه الذكرى، ألقى مؤرخون وسياسيون نزهاء الضوء على الجوانب الخفية في وثيقة 11 يناير واقروا بوجود وثيقة 13 يناير المقدمة من طرف حزب الشورى والاستقلال وكشفوا عن محاولات طمس الحقيقة في هذه النازلة، على خلفية محاولة احتكار التاريخ من قبل فئة سياسية بعينها.
في هذا الإطار يقول الأمين العام السابق لحزب الشورى والاستقلال الراحل الأستاذ عبد الواحد معاش :”لقد نظمتُ في إحدى المناسبات تجمعا سياسيا في آسفي وقلت أنه من الحيف حذف وثيقة 13 يناير التي تقدم بها حزب الشورى والاستقلال إلى المقيم العام الفرنسي في 13 يناير 1944، والاكتفاء بالاحتفال بوثيقة 11 يناير.. آنذاك أعطى الحسن الثاني أوامره بإدراج وثيقة 13 يناير ضمن البرامج التعليمية، ولكن سلطة الحزب الوحيد، قالت: “المغرب لنا.. لا لغيرنا”.فما هي قصة وأسباب النزول في وثيقة 11 يناير أولا؟
وثيقة 13 يناير 1944 المقدمة من الحركة القومية (الشورى والاستقلال)
في سنة 1943 انعقد بالمغرب مؤتمر أنفا، الذي أعقب انهزام فرنسا في الحرب العالمية الثانية، حيث كانت صورتها كدولة حامية قد أخذت في الاهتزاز، لذلك انتقل نضال الحركة الوطنية المغربية من المطالبة ببعض الإصلاحات السياسية، إلى الدعوة إلى جلاء المستعمر، وفي هذا السياق ، وبتوجيه من السلطان محمد الخامس. طيب الله ثراه، عمل حزب الاستقلال على تحرير وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944، وأعقبها بعد أسبوع ببيان يؤكد فيه تشبثه بالمطالب الاستقلالية. والسؤال هو : لماذا فضل حزب الاستقلال توقيع هذه العريضة دونما إشراك حزب الشورى، خصوصا وأن هذه العريضة تهم مطلبا وطنيا مصيريا، ومن شأن التفاف كل “ممثلي الأمة” حوله أن يمنحه ثقلا ومصداقية أكبر؟ فقد جاء في ديباجة وثيقة 11 يناير أن “حزب الاستقلال الذي يضم أعضاء الحزب الوطني السابق وشخصيات حرة…” ما يعني أن حزب الاستقلال قد أشرك غير الاستقلاليين في التوقيع على هذه الوثيقة، لكن لماذا لم يشرك حزب الشورى والاستقلال الذي كان وقتها يحمل اسم “الحركة القومية” فيها؟
في كتابه: “تاريخ الحركة الوطنية” يقول الاستقلالي الراحل عبد الكريم غلاب: لقد ” ظلت الحركة القومية” بعد نفي محمد حسن الوزاني سنة 1937 حزبا مشلولا، ولم يلاحظ لها نشاط إلا بعد تفكير حزب الاستقلال في إعداد “بيان الاستقلال” حيث اقترح عليها الانضمام إليه وإمضاء البيان، غير أنها طلبت مهلة للتفكير وأعدت بعد ذلك وثيقة مماثلة قدمتها للسلطان”.
المهلة التي طالب بها زعيم حزب الشورى والاستقلال أو “الحركة القومية” كما كانت تسمى حينها، هو ما جعل عددا من الاستقلاليين البسطاء يعادون حزب الشورى وقتها، ويبررون ذلك بأن بلحسن الوزاني ورفاقه كانوا “يشاورون على استقلال المغرب”، إلا أن الحقيقة هي أن حزب الشورى والاستقلال كان يربط استقلال المغرب بالمؤسسات ولذلك “كان يرى في المعادلة الوطنية الجديدة: “الاستقلال قبل الإصلاح” التي يرفعها حزب الاستقلال مدخلا لهيمنة من قبل حزب وحيد”.
و يقول روبير ريزيط في كتابه “الأحزاب السياسية المغربية”، وهو الأمر نفسه الذي أكده لي المرحوم عبد الواحد معاش، بقوله: “كان محمد بلحسن الوزاني منفيا في تامحضيت بإيموزار كندار، وكان سيدي علال منفيا بالغابون، وحين اتصل أعضاء حزب الاستقلال بالوزاني للتوقيع معهم، قال لهم: أنا ليس لدي أي مشكل للتوقيع، فقط عندي بعض الملاحظات، ثم اتصل بعبد الهادي بوطالب لهذا الغرض”. فما الذي جرى حتى لم يتمكن عبد الهادي بوطالب ورفاقه من التوقيع إلى جانب الإستقلاليين؟
يتابع عبد الواحد معاش: “عندما اتصل عبد الهادي بوطالب بالإخوة الاستقلاليين، وكانوا مجتمعين بمنزل الحاج أحمد بلافريج، بدؤوا يتماطلون، ومع أن بوطالب اقترح أن يوقع ومن معه حتى بدون الإشارة إلى انتمائه الحزبي.إلا ان الحقيقة هي أن المهدي بن بركة هو من أصر أن تبقى وثيقة المطالبة بالاستقلال، حكرا على حزب الاستقلال.”
أما المرحوم عبد الكريم غلاب فيحاول الالتفاف على الحقيقة برواية أخرى إذ يقول في الجزء الأول من «تاريخ الحركة الوطنية» إن اتصالات كثيفة جرت بين قيادة حزب الاستقلال والسلطان، وأن الطرفين تحادثا في موضوع وثيقة المطالبة بالاستقلال، وأن محمد بن يوسف قال لمخاطبيه: «إن الوقت قد حان للمطالبة بالاستقلال على أساس أن يكون ذلك في ظروف من الهدوء وعدم إثارة أي اضطراب حتى لا تنتهز الإدارة الفرنسية فرصة الحرب للانتقام من الشعب المغربي». لم يتحدث غلاب عن فكرة تأسيس «حزب جديد» كما سبق القول، لكنه حاول تبرير عدم توقيع أعضاء من الحركة الوطنية على هذه الوثيقة.
وفي تعليق له بحروف رقيقة في أسفل الصفحة (221) كتب غلاب قائلا :«يؤكد المرحوم الوزاني في مذكراته أن المذكرة وصلته مع المرحوم بنشقرون وليس قبل تقديمها، وأن القادري لم يجزم هل كانت الوثيقة قد أرسلت إلى الوزاني قبل أو بعد التقديم».
ومهما يكن، يقول غلاب، «فإن أعضاء الحركة القومية كانوا على عهد بالوثيقة قبل تقديمها ولم يوقعوا عليها». وكان غلاب كلما حلت ذكرى المطالبة بالاستقلال إلا وحرص على إعادة أذهان قراء جريدة «العلم» الى رواية مفادها أن أعضاء الحركة القومية كانوا على اطلاع على الوثيقة ولم يوقعوا عليها، وأن بلحسن الوزاني قدمت له للتوقيع فلم يوقعها ولم يوافق عليها!
لكن مقابل ذلك ،يوضح المؤسس المرحوم بلحسن الوزاني في مذكراته «حياة وجهاد» (الجزء السادس) في صفحتي 167 و168 وثيقة هامة تعتبر جوابا عن ادعاءات غلاب وإمعانه في كتابة تاريخ المغرب بنظارات حزبية. إن هذه الوثيقة هي عبارة عن رسالة خطية ومقتضبة حررت بخط عمر بن عبد الجليل وعلى بطاقته المهنية. تقول الرسالة: «الحمد لله، أخي العزيز لا عدمتك، تحية وشوقا وبعد فإننا وفاء بالعهد القديم الذي سنحتفظ به إلى لقاء الله نوجه لك نسخة من عريضة الاستقلال التي قدمناها لصاحب الجلالة، وقدمنا نسخا منها للمقيم العام ولمعتمدي الدول الأجنبية… ولا تسأل عن أسفنا لعدم حضورك معنا في هذه المرحلة الحاسمة من الجهاد الوطني، ولكن روحك وروح علال كانت معنا… ولا تسأل عن ألمنا لعدم رضاء صديقيك السيد عبد الهادي الشرايبي والسيد علي العراقي بالتوقيع معنا ومشاركتنا في التقديم. وقد قام بدور المفاوضة معهما صديق الجميع سيدي محمد الزغاري وسيدي احمد اباحنيني، عسى الله أن يوفقنا جميعا عما فيه الخير والرشاد وحرية الوطن والله يحفظك لأخيك». وبالتالي ،فإن هذه الوثيقة التي أصر غلاب في كل مرة، وعلى مدى سنوات، على تجاهلها وتجاهل حقائق أخرى تخص الوزاني ورفاقه والحركة القومية ثم حزب الشورى والاستقلال. إن هذه الوثيقة الخطية تؤكد بما لايدع مجالا للشك بان إشعار الوزاني بوثيقة المطالبة بالاستقلال تمت بعد تقديمها للسلطان، وإلا فكيف للوزاني ان يوقعها أو يناقشها بعد تقديمها ؟ثم ثانيا أن عمر بن عبد الجليل تأسف لعدم حضور الوزاني والفاسي في هذه الحقبة التاريخية لوجودهما في المنفى، لكن روح الوزاني وروح علال كانتا حاضرتين باعتبار وزنهما الوطني. وأن عضوين في الحركة القومية رفضا التوقيع على وثيقة المطالبة بالاستقلال، رغم الاتصال بهما من أجل هذا الغرض؟!!!!
إننا إذ نعيد التذكير بهذه الوقائع التاريخية المجردة ونحن نحتفل بذكرى وثيقتين للمطالبة باستقلال المغرب (11 و 13 يناير) فإنما نفعل ذلك انطلاقا من رغبة حزبنا، حزب للشورى والاستقلال في توعية شعبنا بتاريخ بلاده من دون تحريف أو تضليل، قصدنا في ذلك الوفاء لرواد حزبنا في البناء على الحقيقة والحقيقة وحدها كما هي، ورحم الله شهداء المغرب وكل من ضحى إلى جانب ووراء ملوكنا الأشاوس والمجد للمملكة المغربية الشريفة ولا عاش من خانها.