يقال: رب ضارة نافعة، واذا كان هناك من حدث يستوجب التذكير بهذا المثل، فلن يكون بالتأكيد سوى هذه الجائحة التي جعلت الدول والشعوب تحت الاختبار، وأعني بذلك هذا الفيروس اللعين المسمى كورونا، فهو في النهاية بلاء تمتحن فيه الإرادات ويمتحن فيه الصابرون، وتمتحن فيه قيم التضامن وقدرة الشعوب على مواجهة الأخطار والتحديات.
ونحن هنا في المغرب الأقصى، في نقطة ملتقى الحضارات تاريخيا وجغرافيا، لطالما كنا على الدوام تحت سمع وبصر العالم وموضع اهتمام الجميع، ولذلك لا يخلو تاريخ الأمم من حضور مغربي، بما ساهمنا به عبر التاريخ وسجل “براءة اختراع” مغربية بما يفيد الجميع، ويحفظه سجل المفاخر المغربية.
إن الأمثلة على الحضور المغربي في تاريخ الأمم أكثر من أن تحصى، وقصص الاستثناء المغربي في التضامن أمام المحن لا يحصيها العد، لكن من أبرز ما يميز الاستثناء المغربي عنصر لا يمتلكه إلا المغرب ويمثل ابرز خصوصياته.
إنه باختصار ما نسميه نحن المغاربة ويعرفه عنا كل العالم :”ملاحم الملك والشعب”، ففي كل مرة تجد بلادنا نفسها أمام إمتحان أوبلاء أو إنجاز حضاري، فإننا نتحدى وننتصر بهذه الخصوصية التي حبانا الله بها.
لقد برزت هذه الخصوصية المغربية عندما تجرأ الاستعمار على خلع والد الأمة محمد الخامس قدس الله روحه على عرشه وحاول اجبار المغاربة على مبايعة صنيعة للاستعمار إياه، فكان رد الشعب المغربي خارج كل حسابات المستعمر حيث التف حول ملكه الشرعي وحمل السلاح وأرغم المستعمر على اعادة ملك المغرب الشرعي الى عرشه وشعبه ،وتحقق الاستقلال بالتحام الملك والشعب.
وتكررت القصة حين أبدع الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه المسيرة الخضراء لإسترجاع أقاليمنا الجنوبية، فهب المغاربة عن بكرة أبيهم استجابة لنداء ملكهم وطردوا الإسبان من صحرائنا الحبيبة وأعادوها إلى الوطن الأم.
وشاء الله هذه المرة أن يجعل المغاربة أمام إمتحان وباء فاجأ العالم وبث الرعب في أرجاء المعمور، وأربك دولا متقدمة وقوية وجعلها تفقد السيطرة على الوضع رغم امكانياتها الهائلة على كل المستويات، لكن في المغرب حضرت الخصوصية المغربية مرة أخرى، فأبدع ملك المغرب محمد السادس نصره الله مسيرة أخرى للتضامن والتلاحم بين الملك والشعب، تمثلت في اتخاذ إجراءات استباقية، وفي احداث صندوق للتضامن وفي توجيهات بملازمة المواطنين لبيوتهم تجنبا لتفشي الوباء وانتشاره، فكان الجميع عند الموعد، ونجح المغاربة بالتحام مع ملكهم، كل ما أراده منهم ملكهم بسلاسة ووعي وتبصر.
ولم يقف حنو جلالة الملك عند هذا الحد، ففاجأ جلالته شعبه الوفي بمكرمة أخرى ليست غريبة على جلالته، فشمل بعطفه الأبوي 5654 سجينا ممن أثبتوا حسن سلوكهم بالمؤسسات السجنية، ومن ذوي الوضع والظروف التي تستوجب الرأفة، وكان لهذه الالتفاتة من جلالته حفظه الله اثرا بليغا في نفوس أسر المعفى عنهم وذويهم وكافة المواطنات والمواطنين من أفرادشعبه، فرفعت أكف الضراعة، في مشاهد مؤثرة، للعلي القدير أن يحفظ للمغرب والمغاربة ملكهم المحبوب.
وختاما، فقد انتبهت صحيفة أمريكية ذائعة الصيت إلى هذا الإستثناء المغربي من خلال المبادرة الملكية الإستباقية فعنونت لمقال لها في هذا المنحنى قالت فيه “ملك المغرب يضحي بالاقتصاد من أجل شعبه”، وبالفعل ففي الوقت الذي ضحى فيه رؤساء دول وحكومات بأبناء شعوبهم من أجل استمرار الإنتاج وحماية الاقتصاد، فإن ملكنا المفدى أعطى الأولوية لإنقاذ شعبه، فشكرا يا جلالة الملك، فقد أعدت إلى شعبك روح التضامن وخاصية “التلاحم بين الملك والشعب “.
أحمــد بلغـــازي