الرئيسية / سياسة / المسكوت عنه في الخطاب الملكي أمام نواب الأمة يوحي بقرب إجراء تعديل حكومي

المسكوت عنه في الخطاب الملكي أمام نواب الأمة يوحي بقرب إجراء تعديل حكومي

تحليل الخطاب بصفة عامة والخطاب الملكي خاصة ليس تكرار ما جاء به الخطاب الملكي، او إعادة ما أعلنه كما يقوم به بعض المحللين ، بل ان موضوع تحليل الخطاب هو البحث عن المسكوت في الخطاب والتنقيب عن رسائله المطمرة ، وفك رسائله المشفرة، لان قوة أي خطاب لا تتجلي في ما يصرح به ، بل في ما يسكت عنه في السياق الذي ينتج فيه.
لكون أي خطاب هو نتيجة نتاج شروطه، ولا يمكن ان يعلو عليها، وهذا ما ينطبق على الخطاب الملكي الذي القاه الملك محمد السادس يوم الجمعة 14 أكتوبر بقبة البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشرة .خطاب شكل الحدث في سياق استثنائي من اهم تجلياته :
– تزامنه مع سياق تأجيل المجلس الوزاري لمرتين متتالين، وهو ما فسر اما بغضبة ملكية على الحكومة، و تأجيل عقد هذا المجلس الوزاري حتى إجراء تعديل حكومي.
– جاء الخطاب حضوريا وهو رد قوي على كل أكاذيب وادعاءات واشاعات أعداء المؤسسة الملكية، حيث بدا جلالة الملك في صحة جيدة وبألف خير، وهذا ما يفسر الجماهير الغفيرة التي حضرت لاستقباله بكل عفوية وفرح واعتزاز.
– جاء خطابا تفاعليا مع القضايا والتحديات الراهنة التي تهم الشعب، وفي مقدمتها إشكالية الماء، وقضايا الاستثمار، باعتبار الماء اصل الحياة، والاستثمار أساس النمو.
– خطاب صريح تشخيصي لقضايا الماء والاستثمار وطارحا الحلول البديلة، فيه نقد مباشر للحكومات المتعاقبة ومنها الحكومة الحالية لمنهجية تدبير قضايا الامن المائي ، وقضايا الاستثمار، وهما المحوران الاساسيان اللذان شكلا موضوع الخطاب الملكي.
1 – الخطاب الملكي والمحور الأول المرتبط بأزمة
تحذير الخطاب الملكي الحكومة بضرورة الإبتعاد عن المزايدات السياسية في قضية الماء.
صرامة الخطاب الملكي ونقده للسياسات الحكومية في تدبير مشكلة الجفاف وندرة المياه أربك الحكومة ، وأكيد انها فهمت رسالة الملك، بعد تنبيهها ان مشكلة الجفاف أصبحت ظاهرة كونية تزداد حدة بسبب التغيرات المناخية ،كما أن الحال الراهن هي مشكلة تسائل الجميع حكومة ومؤسسات ومواطنين، مؤكدا جلالته ان وضعية الامن المائي بالمغرب تقتضي من الجميع التحلي بالصراحة والمسؤولية للتعامل معها ومعالجة نقط الضعف التي تعاني منها.
وهو ما يعني ان مواجهة تحديات الامن المائي بالمغرب ليس مسؤولية حكومية فقط، بل هي مشروع مجتمعي على الحكومة والمؤسسات والمواطنين تحمل مسؤولياتهم في هذه القضية.
مشددا جلالته ان لا: ‘’يكون مشكل الماء موضوع مزايدات سياسية او مطية لتأجيج التوترات الإجتماعية، وكلنا كمغاربة مدعوون لمضاعفة الجهود من أجل الإستعمال المسؤول والعقلاني للماء وهو ما يتطلب إحداث تغيير حقيقي في سلوكنا تجاه الماء وعلى الإدارات والمصالح لعمومية ان تكون قدوة في هذه القضية’’ .
انه نقد ملكي واضح ومزدوج لبعض الأحزاب في الحكومة او خارجها حولت مشكلة الماء لمزايدات سياسية مطية لتأجيج التوترات الاجتماعية ،و للمواطن لتغيير سلوكه اتجاه الماء وللادارات العمومية لتكون القدوة.
الخطاب الملكي ونقد المقاربة الحكومية لتدبير الامن المائي:
اكد صاحب الجلالة ان المغرب يعيش في وضعية إجهاد مائي هيكلي لا يمكن حل جميع مشاكله بمجرد بناء التجهيزات المائية المبرمجة رغم ضرورتها وأهميتها البالغة، بل يجب مضاعفة الجهود في كل أبعادها الجدية اللازمة ولاسيما عبر القطع مع كل أشكال التبذير والإستغلال العشوائي غير المسؤول لهذه المادة الحيوية. انه تشخيص واقعي فيه دعوة صريحة للحكومة ولباقي الفاعلين لنهج مقاربة جديدة لعقلنة استغلال الماء .
وفي نفس السياق اكد جلالته ان الجفاف بالمغرب أصبح ظاهرة لها طابع بنيوي ،وهي رسالة موجهة للحكومة مفادها ضرورة التعايش مع ظاهرة الجفاف، والقيام بالقطيعة بربط المشاريع والبرنامح الحكومية والقوانين المالية بالسماء أي بالمطر .
الخطاب الملكي من الوصف ازمة الامن المائي الى تقديم الحلول البديلة
الجميل في الخطاب الملكي انه لم يقف عند وصف أزمة الماء وتشخيصها ، بل انه اقترح على الحكومة حلولا بديلة منها :
– دعوة جلالة الملك الحكومة أخذ إشكالية الماء، في كل أبعادها، بالجدية اللازمة، لاسيما عبر القطع مع كل أشكال التبذير، والاستغلال العشوائي وغير المسؤول، لهذه المادة الحيوية.
– ضرورة تحمل الحكومة المسؤولية، من خلال اعتماد اختيارات مستدامة ومتكاملة، والتحلي بروح التضامن والفعالية، في إطار المخطط الوطني الجديد للماء، الذي ندعو إلى التعجيل بتفعيله.
– الالتزام وتفعيل التوجهات الرئيسية التي دعا اليها الملك وهي :
– أولا : ضرورة إطلاق برامج ومبادرات أكثر طموحا، و استثمار الابتكارات والتكنولوجيات الحديثة، في مجال اقتصاد الماء، وإعادة استخدام المياه العادمة.
– ثانيا : إعطاء عناية خاصة لترشيد استغلال المياه الجوفية، والحفاظ على الفرشات المائية، من خلال التصدي لظاهرة الضخ غير القانوني، و الآبار العشوائية.
– ثالثا : التأكيد على أن سياسة الماء ليست مجرد سياسة قطاعية، وإنما هي شأن مشترك يهم العديد من القطاعات.
وهو ما يقتضي التحيين المستمر، للاستراتيجيات القطاعية، على ضوء الضغط على الموارد المائية، وتطورها المستقبلي.
– رابعا : ضرورة الأخذ بعين الاعتبار، للتكلفة الحقيقية للموارد المائية، في كل مرحلة من مراحل تعبئتها، وما يقتضي ذلك من شفافية وتوعية، بكل جوانب هذه التكلفة.
2 – الخطاب الملكي والمحور الثاني المتعلق بالاستثمار
شكل موضوع الاستثمار في هذ الخطاب محورا رئيسا کرافعة أساسية لإنعاش الاقتصاد الوطني، وتحقيق انخراط المغرب في القطاعات الواعدة؛ لكونه فضاء لتوفير فرص الشغل للشباب، واطارا لموارد التمويل لمختلف البرامج الاجتماعية والتنموية.
ولهذا أصدرت الحكومة الميثاق الوطني للاستثمار، كدفعة ملموسة، على مستوى جاذبية المغرب للاستثمارات الخاصة، الوطنية والأجنبية.
لكن ، ومع كل أسف ، اكد جلالة الملك ان هذا الميثاق ما زال تعترضه العراقيل، التي لاتزال تحول دون تحقيق الاستثمار الوطني لإقلاع حقيقي، على جميع المستويات، وهذه من مسؤولية الحكومة ومراكز الجهوية للاستثمار.
– وعليه أمر الخطاب الملكي من مراكز الجهوية للاستثمار الإشراف الشامل على عملية الاستثمار، في كل المراحل والرفع من فعاليتها وجودة خدماتها، في مواكبة وتأطير حاملي المشاريع، حتى إخراجها إلى حيز الوجود بعيدا عن الزبونية والسياسوية.
الخطاب الملكي من الوصف والتشخيص لواقع الاسثمار الى الاقتراحات البديلة:
ربط الخطاب الملكي تقوية الاستثمار بالمغرب بما يلي :
– محاربة تعقيد المساطر والبيروقراطية الإدارية،
– ضرورة التفعيل الكامل لميثاق اللاتمركز الإداري،
– تبسيط ورقمنة المساطر، وتسهيل الولوج إلى العقار، وإلى الطاقات الخضراء، وكذا توفير الدعم المالي لحاملي المشاريع.
– تعزيز قواعد المنافسة الشريفة، وتفعيل آليات التحكيم والوساطة، لحل النزاعات في هذا المجال.
– تشجعيع القطاع الخاص كمحرك حقيقي للاقتصاد الوطني.
– دعم القطاع البنكي تمويل الجيل الجديد، من المستثمرين والمقاولين، خاصة الشباب والمقاولات الصغرى والمتوسطة..
– تعاون مع القطاع الخاص والبنكي، لترجمة التزامات كل طرف في تعاقد وطني للاستثمار.
يتبين من الخطاب الملكي ان المغرب امام تحديات حقيقية على مستوي الامن المائي والاستثمار ، تضع مؤسسات الدولة من الحكومة والبرلمان والولايات والعمالات والمجالس الترابية المنتخبة والمراكز الجهوية للاستثمار والابناك والقطاع الخاص والمواطن أمام مسؤوليات تاريخية، كل في نطاق اختصاصه، ويتطلب الاجتهاد التشريعي، وتفعيل آليات الوساطة والمراقبة والمواكبة، ومحاربة كل أشكال البيروقراطية والريع، وتحديث المنظومة الجبائية، وغيرها من الإجراءات .
وهو ما يعني ان هذه التحديات الكبري بحاجة بتعديل حكومي اصبح ضرورة امام الأداء المتواضع لعدد من وزراء حكومة اخنوش في واقع اجتماعي واقتصادي وصحي صعب فقد فيه المواطن الثقة في كل شيئ الا في جلالة الملك.

عن majaliss

شاهد أيضاً

عيد الاستقلال وذكرى المسيرة : احتفالات بطعم خاص

بقلم أحمد بلغازي تعيش بلادنا هذه الأيام على إيقاع احتفالات متوالية بذكريات وطنية، تمثل بالنسبة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *